أدبمنوعات

(عداوات) قصة قصيرة للكاتب محمد مصطفى

صباح جديد قديم…
نحو الخمسين اخطو حثيثا…أتجنب النظر إلى المرأة…اعرف أننى لن أكون فى نفس عمر الامس او أكثر صحة…وأنه بعد قليل لن ترغبنى امرأة..أخشي اكتشاف شعرة بيضاء فى راسي تأخرت عن موعدها.
قالت لى مريم ذات يوم بأننى هرمت..وانه يلزمنى العمر كله كى أكفر عن سيئاتى.
ساذجة هى..عمرى قصير.. وان طال فلن يكفى على أية حال وانا لا ارغب فى التكفير عن شئ…
وماذا عن خطاياك سيدتى؟ كم عمرا سيلزمك لتتطهرى منها؟
استنزفت كل ذرة حب فى قلبي فصار خرابا وحاولت انتزاعها من داخلي عندما فضلت غيري..ولم استطع..
فبقت.
اعدائى كثر..ويتكاثرون يوما بعد يوم..لم اسع لاكتسابهم ولكن الايام وضعتهم فى طريقي كالقضاء والقدر…شئ ما فى تكوينى يستفز الاخرين ويجتذب الكراهية ..
لا اتجنبها ولا احاول دفن رأسي فى الرمال…أن كنت تريد قطعة منى ..تعال…خذها….بداخلي اسود تجاههم ولا احمل لهم إلا الحقد.
كدراما حتمية تم ذلك ودون ترتيب منى..حين اتأمل الأحداث والاساءات اجد نفسي شهيدا و مجنبا على فلا اتعاطف مع أحد وقدرتى على التسامح صفر.. فقط احاول فهمهم بدافع الفضول.
من داخلي أرى وبعقلي وغرائزى احكم فلا املك غير ذلك ..ولكن للحقيقة وجهان…ربما كنت المذنب والجانى ولكن من سيدافع عنى غيري؟
لا املك الا الدفاع عن اخطائى وتبريرها حتى أتمكن من النوم ليلا ومواجهة الأخرين نهارا..
تعزيني فكرة أن الجميع مذنبون بطريقتهم فلا أحد أفضل منى ولا احد يملك إلقاء الاحجار على أن نظر فى المرآة اولا…
فى الصباح تستيقظ مخاوفى معى بعد ان فعلت افاعيلها فى احلام المساء.. ويستيقظ شيطانى…
شيطانى يصاحبنى وسيرحل فقط عندما ارحل فيستريح العالم…
الخوف يملؤنى..ويحركنى…اتغذى علبه واحتضر ببطء .. خوف من المرض..من الفقر…من أن أترك وحيدا..برغم انى ارغب فى الوحدة..لكن الفارق ما بين اختيارها والاجبار عليها بعيد ..الخوف من أن أسقط…السقوط بأى معنى ليس اختيارا متاحا لى..مخاوفى تتجدد فيضاف لها جديد كل يوم..من العمر أخشي….نحو الخمسين ومن الخمسين فإلى اين؟
لا انتظر أن يكون القادم افضل..وكيف ذلك..أن كنت احمل ماضى وذكرياتى على كتفى…نالت منى المعارك اليومية التافهة وانهكتنى ..والانسحاب منها هو انسحاب من الحياة…تعبت..
انا طفل متعب وخائف.
بالأمس قالت سلمى انها ستتركنى…ادعت أننى مجنون وان الكتب التى املأ بها حجرتى قد أفسدت عقلي..وانى ملبوس بجن كافر بدليل انزعاجى من أصوات الاذان العالية الصادرة من المساجد القرببة..
.ادعت بأننى استيقظ فى الليل صارخا بإسم مريم و أمد يداى لخنقها وهى نائمة..ثم اتعامل معها فى الصباح كأنه لم يحدث شئ..وأنها ضبطتنى أكثر من مرة اتحدث إلى الهواء مخاطبا شخصا غير موجود ..
قالت للجميع ذلك واكثر ..
حرصت على تشويهى بما فى وبما ليس فى…خطتها المرسومة حتى تتمكن من الرحيل بلا وصمات تشوه صورتها النقية..
مللت الدفاع عن نفسي او فقدت الإرادة لذلك…انا كل ذلك واكثر لو تعلمين…
بالأمس أعدت حقيبتها سرا ولكنى شاهدتها…
واليوم ترقد جثتها فى القبو بجوار جثة مريم.
مسدسي ال ٩ مللى تكفل بالأمر…
وضعت الوسادة على وجهها ووجهت لرأسها طلقتين..لن أترك وحيدا وسددت دينها فى طلقتين…
اعدائى سأقتلهم لن اخطى فى ذلك فقد مللت الدفاع والتبرير..مللت الدفاع عن اخطائى و لا ارغب فى التكفير عنها بل ارغب فى ارتكاب المزيد…عندى موهبة فى اجتذاب الكراهية وسأنميها…ليس عندى ما أخسرة…كانت سلمى محقة ..قالت بأننى سأشيخ وحيدا وسأموت وحيدا…نعم…
سحبت جثتها للقبو ولزمنى ساعتين لاحفر حفرتها…اللعينة كانت شرهه للأكل ..
أذكر أننى استغرقت نصف هذا الوقت لاحفر لمريم حفرتها..
شتان الفارق ما بين الجسدين….
أن أخفيت الجثة أخفيت نصف الجريمة…
دفنها بملابسها وأشعلت النار فى الوسادات والملائات…ثم نمت نوما عميقا…
حلمت بأبي يصاحبنى مشيا من الحضرة إلى النبي دانيال ..تنقلنا بين الأكشاك الخشبية باحثين عن كتاب الكوميديا الألهية ولم نجده..
وحلمت بمريم عارية بجوارى تحضننى بقوة فأقتحمت حواسى رائحة جسدها الحميمة وأشعلت أنفاسها الساخنة النار فى عروقي وانتشيت بعبقها..
ثم استلقت على ظهرها وسط بركة من الدماء.
صحوت على صوت المنبه…
اغتسلت..وتناولت قهوتى…غادرت مرتديا حلتى السوداء ..مضيت فى طريقي محنقرا كل من بالشارع فكلهم أعداء محتملين ولا صديق لى…
دخلت الى محل عملي يتبعنى شيطانى أو انا الذى اتبعه….
المشرف فى اجتماعه االسخيف والكل من حوله…تخيلتهم فرقة اعدام تتاهب لتنفيذ الحكم على شخصى..
دثرنى حقدى وهواجسى برداء الموت.. فأشهرت مسدسي مطلقا النار عشوائيا على الجميع حتى نفذت الطلقات.

4.5 2 الأصوات
Article Rating
اظهر المزيد
4.5 2 الأصوات
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
ردود الفعل المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب أفكارك، يرجى التعليق.x
()
x