استيقظت صباحا فقفزت فى راسى تدريجيا تلك المعارك التى تنتظرنى اليوم..متشائما قلقا مضيت نحو الحمام لأعد نفسي لها..ماكينة الحلاقة المهترئة تجرف وجهى والدش البارد فى يناير شر لابد منه لدفع بعض النشاط إلى اوردتى..مزيج النيكوتين والكافين ضرورى لإيقاظ الحواس ووجبه الإفطار نصف رغيف جبن اتناوله بلا شهية.
بحثت فى جنبات المنزل عن أشخاص مختبئن…افعل ذلك دوريا..فأعدائى يتربصون بي من كل جانب وربما يدبرون لقتلي..صليت الصبح واطلت الدعاء لربي أن يحفظنى ويرعانى ويكفيني شر الكائدين…قرأنى وادعيتى درعي…وذكائى الحاد سيفي فى مواجهه العالم.
إرتديت ملابس المعركة…بدلة سوداء وحذاء اسود ورابطة العنق التى تشعرنى بالحماية.
فى الطريق تأكدت الا أحد يراقبنى..انظر بعيني للامام ولكنى اختلس النظرات للخلف…افعل ذلك دائما وخاصة عندما يخاطبنى أحدهم واخر من خلفي أو بجانبي لاعرف ردة فعله أو المح إشارة ما فتتضح النوايا ويظهر ما خفى.
وصلت إلى الشركة…وكر المتأمرين…كلهم يكرهوننى لا اعلم سببا لذلك…ربما لاننى اكرههم أيضا…اتسمع همهاتهم وضحكاتهم المكتومه..وانا الهدف..ضبطهم مرات يتقولون على بسؤ…فورا أتوجه لمكتب للمدير للشكوى..فلو تركت هذا الأمر يمر لاستفحل…تعودت على ذلك منذ الطفولة..عندما كان الشياطين الصغار بالمدرسة يتحرشون بي…كان يسعدنى دائما أن اتسبب لهم فى العقاب..
كانت أمى تقول بأننى محسود وذلك لخفة ظلى وذكائى..الملاعين لا يضحكون على قفشاتى اللطيفة أو يرودن بابتسامة صفراء..القيها بغرض إثارة إعجابهم او اتقاء لشرهم ..ولكن بلا فائدة..
طلبت قهوة…قهوتى سادة..والشاى أيضا عودت نفسى أن اشربه بدون سكر..بذلك يكون من الأسهل أن اميز اي طعم غريب إذا ما فكر أحد الأعداء أن يدس لي سما أو مخدر.
زينب مرؤستى وأحد المتأمرين…تلقي امامى بالاوراق لأوقع عليها…
-طيب يا زوزو..سيبهالى اراجعها.
حجة جيدة أهرب بها من ضغطها وامنح نفسي بعض الوقت لاكتشاف المكيدة…اعلم جيدا أنهم وسط الاوراق سيدسون لى ذات يوم شيئا ما..مستندا لو وقعت عليه لسجنت أو وقعت بمصيدة..ولكننى متاهب لذلك..فتشت فى الأوراق المفخخة..فهمى قاصر مع الاسف..ورغم اقدميتي فكثير من الأشياء لا افهمها…لكن ذكائى يعوض ذلك بأن أوحى للجميع اننى اعرف كل شئ وانى استاذ لا آبارى وكلما شعرت بعدم اقتناعهم زدت فى ادعاء البراعة…دققت فى الأوراق…شممتها…أرهفت سمعى لعلها تنطق بحقيقة ما يدبر…لم اجد شئ…فوقعت عليها كارها.
الساعى ينظر إلى شذرا…يظن اننى لا أراه..المح كل شىء بطرف عيني…ترى ماذا يقصد؟هل يراقبنى؟يحتقرنى؟يترصدنى؟ ولحساب من؟ تبا لأعينكم ..اتمنى لو تصابون جميعا بالعمى..خالد ينظر إلى أيضا…فهمت ..انها مؤامرة تدبر بين الاثنين وهدفها شخصي..قمت من فورى الى مكتب المدير لأبلغه بما يفعلون..لن يدرك مخاوفى فأفهمته أن النظر بتلك الطريقة غير لائق ومنافى لاخلاقيات العمل…استمع الى باستهانة ولا غرابة…فهو على رأس الحاقدين…على أن احذر منه اولا..
المشاكل اليومية معتادة فى عملى…تعودت قبل التفكير فى حل لمشكلة أن أفكر فى كيفية الهروب منها….آنا ماهر فى رمى الأخطاء على الآخرين ..والا لماذا خلق الله المرؤوسين؟
اتهمهم بالغباء والاهمال لأنجو..منحنى الله طاقة إيجابية استغلها فى إغراق الآخرين فى الطاقة السلبية. رحم الله الغالية..كانت تنصحنى دائما قائلة،:
-لبس طاقيتك لغيرك.
يالها من امرأة داهية..منذ رحيلها تعاظمت مخاوفى وازدادت كوابيسي سوءا..
الوقت يمضي بطيئا ..ازدادت التليفونات والضغوط…اتفاعل معها بنصف تركيز فحواسى منتبهة لحمايتي…اصيغ السمع للهمسات والهمهمات والدعابات غير البريئة..كل كلمة مقصودة وكل دعابة تحمل بداخلها قنبلة موقوتة…لمحت زينب وسلوى تتهامسان وهن ينظرن نحوى .ثم أغرقتا فى الضحك…تألمت…بالتاكيد تقصدانى….فضحتنى سلوى عندما لامست يدها وهى تتحدث فى تليفون مكتبي هامسا:
-احبك.
وقتها دافعت عن نفسي أمام الزملاء بأن الأمر حدث عفوا وانها مثل بناتى…افقد حذرى فقط أمام القبيحات من النساء..وسلوى من هذا النوع..أمامهن تتغلب الغريزة الأساسية على غريزة الخوف بداخلى ..كيف وقعت فى تلك الهفوة؟ كيف انزلقت إلى هذا الفخ الذى استغله المتآمرين لتشويهى؟
هربت إلى دورة المياة…عضضت اصابعي…تأملت وجهى بالمرأة…خبطت راسي بالحائط عدة مرات ..تمنيت أن تبتلعنى فتحة الحوض او فوهة البلاعة ..فالجميع بالخارج يترصدنى ..
انتهى الدوام اخيرا…رددت أدعية الحمد والشكر أن نجانى ربي من شر ما خلق…اصطحبت أحد أفراد الأمن ليصاحبنى إلى بيتي..يمشي ورائى أو بجانبي…افعل ذلك غالبا لآمن ضربات الخلف…أشعر بالأمان هكذا رغم ضعف حارسى وهزاله ولكننى اشعر بالأمان..اجعله يحمل مشترياتى حتى لا يخمن السبب الحقيقي لمصاحبتى له.. لم أكن احتاج لذلك لو ان الله فقط قد خلق لى ثمانية أعين..اثنتين فى كل جانب من الرأس..اه…ليته فعلها..احتاج لعشرات الأعين ومئات الآذان.
الحمد لله…وصلت شفتى…بحثت خلال أرجأئها عن اى شىء شاذ ..لم اعثر ..قضيت بقية اليوم فى الصلاة ومكالمات كثيرة قمت بها ..أحب أن اتكلم…أشعر بالأمان عندما اتكلم ..يتهموننى بالثرثرة لكنى فقط ادافع عن نفسي…حتى لو لم يتهمنى احد..ادافع عن نفسي كاجراء احترازى…كما اننى التقط من كلمات الآخرين ما قد يهددنى فاتوخى الحذر .الكلام يهدئنى ويثيرنى…يطمئننى ويقلقنى.
فى الليل تأكدت من إغلاق الباب بالمزلاج… اعددت فراشي تحت السرير…افعل ذلك غالبا حتى إذا دخل أحدهم وانا نائم فلا يجدنى قبل أن اتنبه…بذلك انام عميقا واكون أكثر دفئا..أكثر امنا..
دلفت لمخبأى تحت السرير…أرحت رأسي على الوسادة..دسست يدى تحتها أتاكد من استقرار السكين…غلبنى النوم فنمت..
نمت بأعين مفتوحة.
عدد المشاهدات : 25
مرتبط
زر الذهاب إلى الأعلى