مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي يتحدث عن مكر الظالمين

رئيس اتحاد الوطن العربي يتحدث عن مكر الظالمين
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن تصور سورة إبراهيم الكريمة في موضوعاتها حقيقة كفاح أهل الحق في مواجهة ضلال أهل الباطل، ومن الآية الأولى تظهر طبيعة هذا الصراع في قوله تعالى: {الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} (إبراهيم:1). فمن بداية السورة يتضح طريقان متضادان لا يجتمعان ولا ثالث لهما: الظلمات والنور، وهذه الآية تدلُ كما يقول الإمام الرازي: “على أن طرق الكفر والبدعة كثيرة، وأن طريق الخير ليس إلا الواحد؛ لأنه تعالى قال: {لتخرج الناس من الظلمات إلى النور}، فعبر عن الجهل والكفر بـ {الظلمات} وهي صيغة جمع، وعبر عن الإيمان والهداية بـ {النور}، وهو لفظ مفرد”.
وتأتي الآية الثالثة الكريمة: {الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد} (إبراهيم:3)، لتبين طبيعة سلوك فريق الظلمات تجاه طريق النور وأهله، فأهل الظلمات لم يكتفوا بكفرهم فحسب، بل انتهجوا محاربة الحق مسلكاً من خلال العداء المباشر بمنع غيرهم من الالتحاق بركب المؤمنين، ومن خلال بذل جهدهم في دعاية سوداء تصور طريق الإيمان درباً زائغاً يشوبه الانحراف، وهم في قرارة أنفسهم يتمنّون لو أن طريق الله كانت كما يدعون من الميل، وهذا دليل استشراء مرض الضلال والجهل في قلوبهم؛ لأنهم علموا الحق، وأعرضوا عنه وحاربوه.
ثم تمضي السورة الكريمة في عرض سُبل دعاة الظلمات في محاربة أئمة الحق من الرسل عليهم السلام، وهنا لا تتورع الأقوام الضالة عن محاولات ترويع رسلهم وأتباعهم بالنفي عن بلادهم، وهذا ديدن أهل الباطل عندما تعجزهم أدلةُ أهل الحق، وعلامات صدقهم الجلية، وحججهم العقليّة، يلجؤون إلى إنهاء وجود فريق النور بأي وسيلة ممكنة، كتغريبهم عن موطنهم، كما أخبر سبحانه: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا} (إبراهيم:13).
وفي شدة تسلط عناد فريق الظلمات واستكبارهم على الحق، وفي ذروة استعلاء جبروت الظالمين بظنهم أنهم يملكون الأرض، فيقررون من يبقى ومن يُبعد، يتنزّل الوعد الإلهي: {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين * ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} (إبراهيم:14). لينقلب الموقف من تهديد بشري ضعيف إلى موقف قوة وتثبيت لأهل الإيمان ببشرى هلاك الظالمين، وعودة الأرض إلى مواطنيها الأصليين من المؤمنين الذين جابهوا ظلم الأقوام الضالة.
وتواصل السورة العظيمة بيان حقائق الصراع بين الحق والباطل، وصولاً إلى خطبة الشيطان، زعيم الباطل والضلال وإمام جبابرة الظلم، وكبير فريق الظلمات، لِيُقرّ مجموعة حقائق صادمة لأهل الباطل من أهمها أنهم هم من اختاروا بخالص إرادتهم اتباع الشيطان، وطريقه الحالك، يقول سبحانه: {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} (إبراهيم:22).
واستكمالاً لبيان حقائق الصراع بين الحق والباطل، كان مما اختُتمت به السورة الكريمة موقف الظالمين تحديداً يوم إتيان العذاب. وهؤلاء الظالمون لهم صفات بينتها الآيات تدل على فظيع جورهم في الحياة الدنيا.
الصفة الأولى: في قوله سبحانه: {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال} (إبراهيم:44). يتصف الظالمون بتعلقهم الشديد بالحياة الدنيا إلى حد إنكار الآخرة، ما أورث لديهم إيمان شديد بأبدية وجودهم إلى درجة القسم بذلك، و(الزوال) كما بين أبو هلال العسكري “لا يكون إلا بعد استقرار وثبات صحيح”، وهذا يدل على أن الظالمين وصلوا مرحلة من استقرار الأمر لهم، أيقنوا معها امتناع عدمهم، وهذا لب داء التكبر، وتسلط تعظيم النفس حتى يتعامى العقل والقلب عن حقيقة الفناء المتحقق إدراكها بالبديهة.
والصفة الثانية: في قوله تعالى: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} (إبراهيم:44). وليس المقصود هنا مجرد السكنى، بمعنى قطنوا مساكن الظالمين قبلهم فحسب، بل أضف إلى ذلك ما قاله الزمخشري: “سكنوا من السكون، أي: قروا فيها، واطمأنوا طيبي النفوس، سائرين سيرة مَنْ قبلهم في الظلم والفساد، لا يحدثونها بما لقي الأولون من أيام الله، وكيف كان عاقبة ظلمهم، فيعتبروا ويرتدعوا”. وهذه حقيقة ملموسة في واقعنا، فكم من حاكم طاغية يُعيد إنتاج الظلم في أعنف صوره الماضية، ولا يختلف في طرق إرضاخه للشعب عمّن سبقه من الحكّام الظالمين، كأنّما توارثوا نهجاً خاصّاً بتكريس الظلم وترسيخ القهر يقضي على حياة المجتمع الإنساني في سبيل الإبقاء على حياة الفرد الطاغية.
والصفة الثالثة: في قوله سبحانه: {وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال} (إبراهيم:44). هؤلاء الظالمون كانوا على علم بمصير مَن سبقهم من الظالمين من الإهلاك، فلم يعانوا من غموض الرؤية بل اتضحت وظهرت لهم عاقبة الظلم دون ارتياب، يقول الرازي: “إنهم علموا أن أولئك المتقدمين كانوا طالبين للدنيا، ثم إنهم فنوا وانقرضوا، فعند هذا يعلمون أنه لا فائدة في طلب الدنيا، والواجب الجدّ والاجتهاد في طلب الدين، والواجب على من عرف هذا أن يكون خائفاً وجلاً، فيكون ذلك زجراً له”، وهذا أحد أعراض الاضطراب الذي تخلّفه غطرسة الظَلَمة المتحكمة بعقليات تنكر الحقيقة التي تراها بينة، وتطمئن إلى أوهام اصطنعتها على علم منها.
إن مجموع صفات الظالمين السابقة تولد ممارسات ظلامية، تنصب في مخططات المكر المنظمة والمدبرة بإتقان، حيث يبذل الظالمون فيها عظيم كدهم في مقارعة الحق، ومحاولات إفشال مشروع فريق النور، يقول الله تعالى: {وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} (إبراهيم:46). و(المكر) عندما يكون من جانب العبد -كما يقول الجرجاني- هو: “إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر”. وبحسب البقاعي، فإن مادة (مكر) “تدور على التغطية والستر”، ففي ضربات متتالية يدأب فريق الظلمات على وضع ترتيبات مستترة، كفيلة بتعويق أهل الإيمان، تنفذ على مراحل، تخلُص إلى إخلاء الساحة من حُماة العدالة والقيم الإنسانية، في معارك استئصالية تستهدف الثلة المؤمنة بالله وحده حاكماً، ولا تقبل معه شريكاً، إلا أن العدل الإلهي غالب غير مغلوب {وعند الله مكرهم} فـ (المكر) من جانب الله -كما قال الجرجاني- هو: “إرداف النعم مع المخالفة، وإبقاء الحال مع سوء الأدب، وإظهار الكرامات من غير جهد”، أي: إذا ما اطمأن وسكن الظالمون لاستقرار حالهم واستمرار غيهم، فما هي إلا مدة الإمهال التي سيعقبها نصر المظلومين على حين غرة تباغت غفلة الظالمين، يقول الإمام الرازي: “عند الله مكرهم، فهو يجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه، وعند الله مكرهم الذي يمكر بهم، وهو عذابهم الذي يستحقونه، يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون”.
ليس هذا فحسب، بل توثق الآية الكريمة حقيقة حاسمة في قول الحق سبحانه: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}، يقول أبو السعود: “والجبال عبارة عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أي: وقد مكروا، والحالُ أن مكرهم ما كان لتزول منه هاتيك الشرائعُ والآياتُ التي هي في القوة كالجبال”.
ولَكَ أن تقف طويلاً أمام هذه الحقيقة لتتدبر هذا المعنى، الذي يستحثّ مشاعرك، ويشحذ فكرك، ويفيض في جنباتك أملاً وتثبيتاً، فإن أطبق الظالمون على صهر النور، وبطشوا بكل معالم الحياة، فإن جميع تدابيرهم هذه لن تبارح أن تكون مجرد مكر في مواجهة جبال راسخات، لن يشقّ ثباتها ووقارها رغام مكر الظالمين، فهل بعد هذه الحقيقة جزع أو تردد؟ وهل بعد هذه البشرى إحباط باستبطاء النصر والتمكين؟ ألم يأن للغارقين في منحدرات الظلمات أن يشرعوا بتسلق قمم نور تستند على جبال الإيمان، ألم يضيقوا بعد بغياهب الوديان!

تم نسخ الرابط بنجاح!
التعليقات:
Santina Wunsch
Your writing has a way of resonating with me on a deep level. I appreciate the honesty and authenticity you bring to every post. Thank you for sharing your journey with us.
31 أغسطس، 2025 | 7:19 مWilfredo Flatley
Hi my family member I want to say that this post is awesome nice written and come with approximately all significant infos I would like to peer extra posts like this
31 أغسطس، 2025 | 8:05 مDamion Flatley
you are truly a just right webmaster The site loading speed is incredible It kind of feels that youre doing any distinctive trick In addition The contents are masterwork you have done a great activity in this matter
31 أغسطس، 2025 | 9:29 مJanessa Cummings
Its like you read my mind You appear to know a lot about this like you wrote the book in it or something I think that you could do with some pics to drive the message home a little bit but instead of that this is fantastic blog An excellent read I will certainly be back
31 أغسطس، 2025 | 10:01 مVirginie Littel
Your blog is a testament to your passion for your subject matter. Your enthusiasm is infectious, and it's clear that you put your heart and soul into every post. Keep up the fantastic work!
31 أغسطس، 2025 | 11:16 مDevyn Hammes
Your blog is a true hidden gem on the internet. Your thoughtful analysis and engaging writing style set you apart from the crowd. Keep up the excellent work!
1 سبتمبر، 2025 | 12:02 صJacklyn Kling
I was suggested this web site by my cousin Im not sure whether this post is written by him as no one else know such detailed about my trouble You are incredible Thanks
1 سبتمبر، 2025 | 1:24 صمنزليات للتنازل من كل الجنسيات
خلال تجربتي الأخيرة لاحظت أن خدمات مع تجربة أسبوع ضمان عمل مهمة جداً للأسر، خاصة مع توفر خيارات مثل متوفر عاملات والتي تلبي احتياجات متنوعة. الكثير يهتم أيضاً بموضوع استلام فوري في اليوم نفسه لأنه يوفر راحة وضمان. من المهم أن نجد للتنازل الفلبين مع رعاية المسنين حيث يضمن جودة واستقرار الخدمة.
1 سبتمبر، 2025 | 1:43 صتنظيف خزانات مياه الشرب
تُعد خدمة تنظيف خزانات في الموقع من أبرز الخدمات التي يحتاجها السكان في السعودية، خصوصًا مع أهمية كشف تسربات الشرقية في الحفاظ على الصحة العامة، ولهذا فإن كشف تسربات المياه بالدمام تُعد خيارًا مثاليًا للحصول على جودة عالية وخدمة مميزة. ننصح دائمًا بالاعتماد على الخبراء في هذا المجال. مع.
1 سبتمبر، 2025 | 1:49 صفوائد العنب على الريق
أصبح فوائد العنب على الريق من المواضيع الشائعة في مجال الصحة والتغذية. يساهم فوائد العنب على الريق في تقوية القلب وتنظيم مستويات السكر في الدم. لا تزال فوائد فوائد العنب على الريق تتوارثها الأجيال في المجتمعات الشرقية. رغم فوائده، يجب الانتباه إلى الجرعات الموصى بها من فوائد العنب على الريق. خلاصة القول، فوائد العنب على الريق يستحق أن يكون جزءًا من روتينك اليومي.
1 سبتمبر، 2025 | 1:51 صشات فلسطين
إذا كنت تبحث عن تجربة مميزة في دردشة فلسطين توفر لك التواصل مع الأصدقاء والتعارف مع أشخاص جدد من مختلف أنحاء فلسطين، فإن منصتنا تقدم لك كل ما تحتاجه. يمكنك الآن الانضمام بسهولة إلى دردشة فلسطينية والاستمتاع بمحادثات آمنة وسريعة. استكشف الغرف المتنوعة وشارك في النقاشات الممتعة عبر شات جنين. جرب الخدمة الآن من خلال هذا الرابط: https://play.google.com/store/apps/details?id=com.chat.chatpaestine&pli=1
1 سبتمبر، 2025 | 1:55 صSamantha Windler
Your blog is a breath of fresh air in the often stagnant world of online content. Your thoughtful analysis and insightful commentary never fail to leave a lasting impression. Thank you for sharing your wisdom with us.
1 سبتمبر، 2025 | 1:55 صlowrider bike red
https://galindoslowriderbikes.com/product/lowrider-chain-steering-wheel/
1 سبتمبر، 2025 | 2:09 صstihl yedek parça
Kes – Mak Bahçe Aksesuarları ve Yedek Parça | Malatya benzinli testere yedek parça, testere zinciri, ağaç kesme pala, klavuz, elektronik bobin, hava filtresi, stihl malatya bayi
1 سبتمبر، 2025 | 2:36 صprobrake
https://shovelhunter.com/index.php/shop/
1 سبتمبر، 2025 | 2:52 ص