
الجزء الثاني: عبد الفتاح القصرى… ابن الأكابر، المثقف المدلل، والنهاية المأساوية
أولًا: أشهر إفيهاته في السينما المصرية
عبد الفتاح القصرى هو مدرسة خاصة في الكوميديا، إفيهاته محفورة في ذاكرة السينما، منها:
فيلم “معلش يا زهر”:
عندما دُعي لحفل عيد زواج جاره الفنان زكي رستم من ميمي شكيب، قال لزوجته:
“أنا هاعملك حفلة على الأربعين!”

فيلم “ابن حميدو”:
“أنا كلمتي لا يمكن تنزل الأرض أبدًا، والفلوس اللي تدخل جيب الأسد ما تطلعش منه إلا على جثته!”
وعندما تشخط فيه زوجته (سعاد أحمد) وتقول له: “يا حنفي!”، يرد:
“خلاص، هتنزل المرة دي… لكن المرة الجاية لا يمكن تنزل الأرض!”
في نفس الفيلم، يقول لإسماعيل ياسين:
“دي باخرة نورماندي!”
فيرد إسماعيل ياسين: “بس أنا سمعت إنها غرقت!”
فيرد القصرى: “دي نورماندي وان… إنما دي نورماندي تو… تو!”

ويصرخ في بناته (هند رستم وزينات صدقي):
“ياللا نضفوا الأوضة اللي هيسكن فيها البهوات! دي ما يسكنش فيها بحالتها دي غير البهائم!”
فيلم “لو كنت غني”:
“يا صفايح الزبدة السايحة، يا براميل القشطة النايحة!”
“ولاد الحرام ما خلّوش لولاد الحلال حاجة!”
فيلم “قمر 14”:
“أنا في عرض مرصد حلوان!”
فيلم “إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين”:
إسماعيل ياسين محتار وقطع أكثر من خمسين ورقة علشان يكتب كلمة، فيقول له القصرى:
“أنا في عرض المجمع اللغوي!”

فيلم “سكر هانم”:
“إنتي ست؟! أنا جنبك أبقى مارلين مونرو!”
فيرد عليه عبد المنعم إبراهيم: “شايف القوام؟”
فيرد القصرى: “ده قوام عايز بردعة ولجام!”
فيلم “الأستاذة فاطمة”:
يقف أمام القاضي ويقول بصوت جهوري:
“يا حضرات المستشارين… يا حضرات القضاة… المتهم اعتدى على الشرف والحقوق، ويجب إحالته للجنايات!”
فيرد القاضي: “إيه الفصاحة دي؟ لما أنت مش محامي!”
فيقول القصرى: “هو المحامي حيقول أكتر من كده؟ على العموم، أنا وكلت بنتي المحامية (فاتن حمامة) تترافع عني!”
فلما يسألها القاضي: “معاكي كارنيه النقابة؟”
ترد: “أنا لسه في سنة رابعة!”
فيقول القصرى: “دي حافظة قانون العقوبات صم، سمعي القاضي قانون العقوبات!”
وأثناء مذاكرته في كتاب المطالعة:
“ثُ ضمة ثُو… ع شدة عُو… با فتحة با… ن سكون أون (حنش)!”
ثانيًا: حياته الشخصية وزيجاته
رغم أن عبد الفتاح القصرى كان نجمًا يملأ الشاشات ضحكًا، فإن حياته الخاصة كانت مليئة بالمفارقات.
ابن الأكابر… والمثقفين:
ولد عبد الفتاح القصرى عام 1905 في حي الجمالية، وكان والده ثريًا وصاحب محل ذهب، وأراد له أن يعمل في تجارة المجوهرات. لكن القصرى عشق المسرح والتمثيل، وتمرّد على طريق العائلة، فدخل مدرسة الفرير وتعلم الفرنسية، وبدأ يمثل أدوار الكومبارس في فرق مسرحية وهو لا يزال مراهقًا.
زوجته… ونهاية مأساوية:
وقع في حب فتاة جميلة من خارج الوسط الفني، وتزوجها. وكانت شديدة الجمال لكنه لم يعرف أن وراء الجمال… مؤامرة كبرى!
كان يثق بها إلى درجة أنه جعلها تتولى كل شؤونه المادية، تعاقداته، أمواله، وحتى مفاتيح الشقة. وكان يكرر جملته الشهيرة: “الست دي ما حصلتش… دي تاج فوق راسي!”
لكنه اكتشف ذات يوم أنها لم تكن فقط “تاج فوق رأسه”، بل كانت تخطط لأن تسقطه من على العرش!
فوجئ بها تطلب الطلاق بعد أن كتب لها كل شيء، بل وتزوجت شابًا صغيرًا كانت تصفه بأنه “ابني زي ابننا يا فُتُّوح!”، فإذا به الزوج القادم بعد القصرى مباشرة!
هذه الصدمة، ومع تقدم السن، جعلت حالته النفسية تتدهور بشدة. لكن الضربة القاضية لم تأتِ بعد…
ثالثًا: نهاية مأساوية للفنان الضاحك
رغم أن عبد الفتاح القصرى كان يدخل البيوت بالضحكة، خرج منها في آخر أيامه بالحسرة.
العمى على المسرح:
في أحد العروض المسرحية أمام الفنان إسماعيل ياسين، كان يؤدي دوره كالعادة بإفيهاته اللاذعة وقفشاته الحاضرة، وفجأة أثناء خروجه من المشهد، قال بصوت مرتجف:
“أنا مش شايف حاجة… أنا عميت!”
الجمهور ضحك وظن أنها جزء من المسرحية، لكن إسماعيل ياسين أدرك أن الأمر حقيقي، فأغلق الستار فورًا، وأسرع به إلى المستشفى، حيث أكد الأطباء أنه فقد بصره نتيجة ارتفاع مفاجئ في نسبة السكر.
الخذلان والطلاق بالإجبار:
عاد إلى منزله الكائن في البدرون بعد أن أخذ منه المرض بصره… لتفاجئه زوجته بطلب الطلاق. لم تكتفِ بذلك، بل أجبرته على التوقيع رغمًا عنه، بعد أن استولت على كل ممتلكاته، ثم تزوجت من ذلك الشاب الذي اعتبره القصرى يومًا “ابنه بالتبني”.
منع الزيارات… والنهاية في بدرون مهجور:
قضى القصرى أيامه الأخيرة محاصرًا في بدرون المنزل، ممنوعًا من الزيارات والخروج. حتى جاءت فنانات الزمن الجميل، نجوى سالم وهند رستم وتحية كاريوكا، فوجدنه في حال يرثى لها، نائمًا على سرير قديم بلا فراش، بعد أن طرده صاحب العقار واستولت زوجته على شقته.
أخذته شقيقته معها إلى شقتها في حي الشرابية، وهناك بدأت رحلة الألم.
تصلب شرايين وفقدان ذاكرة:
أصيب بتصلب في الشرايين
خاتمة: إرث لا يُنسى من زمن الفن الجميل
رحل عبد الفتاح القصرى جسدًا، لكنه بقي خالدًا في ذاكرة الفن المصري والعربي. لم يكن مجرد ممثل كوميدي، بل كان مدرسة في الإفيه والإلقاء والتعبير الجسدي، خطف القلوب قبل الضحكات، وترك بصمة لا تُمحى على شاشة السينما والمسرح والإذاعة.
قد تكون نهايته مأساوية، لكن ضحكته لا تزال تضيء الشاشات، وكلماته ما زالت تُردد في الشوارع والمقاهي ووسائل التواصل، شاهدة على عبقرية لا تتكرر.
علَّمنا القصرى أن الفن قد يكون مصدرًا للبهجة… لكنه أيضًا قد يكون طريقًا للألم إذا لم يلتفت المجتمع لصانعي السعادة.

فلنُحيِ ذكرى هذا الفنان العظيم لا بالرثاء، بل بالاحتفاء؛ بمراجعة أعماله، والكتابة عنه، وإعادة اكتشاف كنوز الفن التي تركها لنا… عبد الفتاح القصرى، الضاحك الباكي، وواحد من أعمدة الكوميديا الخالدة في مصر